فصل: فصل: في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ***


الكلام عن الرقى

ثم الرقى من حمة أو عين *** فإن تكن من خاص الوحيين

فذاك من هدي النبي وشرعته *** وذاك لا اختلاف في سنتيه

‏(‏ثم الرقي‏)‏ إذا فعلت ‏(‏من حمة‏)‏ وهي تطلق على لدغ ذوات السموم كالحية والعقرب وغيرها ‏(‏أو عين‏)‏ وهي من الإنس كالنفس من الجن، وهي حق ولها تأثير، لكن لا تأثير لها إلا بإذن الله عز وجل، وقال الله تعالى‏:‏ ‏(‏وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم‏)‏ ‏(‏القلم‏:‏ 51‏)‏ الآية‏.‏ فسره بإصابة العين ابن عباس ومجاهد وغيرهما، وفي تحقيقها أحاديث، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ العين حق‏.‏ ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين‏.‏ وإذا استغسلتم فاغسلوا ‏"‏‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إن العين حق ‏"‏‏.‏ أخرجاه، ولأحمد وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ العين حق ‏"‏‏.‏ ولأحمد عنه أيضا رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ العين حق، ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم ‏"‏‏.‏ وله عنه رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ أصدق الطيرة الفأل، والعين حق ‏"‏‏.‏ وله هو والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أسماء رضي الله عنها قالت‏:‏ يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفأسترقي لهم‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ نعم، فلو كان يسبق القدر لسبقته العين ‏"‏‏.‏ ولأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لا هام، والعين حق، وأصدق الطيرة الفأل ‏"‏‏.‏

وله عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة، حتى إذا كانوا بشعب الحرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة- أخو بني عدي بن كعب- وهو يغتسل فقال‏:‏ ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة‏.‏ فليط سهل فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له‏:‏ يا رسول الله، هل لك في سهل، والله ما يرفع رأسه ولا يفيق‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ هل تتهمون فيه من أحد‏؟‏ ‏"‏ قالوا‏:‏ نظر إليه عامر بن ربيعة‏.‏ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا، فتغيظ عليه وقال‏:‏ ‏"‏ علام يقتل أحدكم أخاه‏؟‏ هلا إذا رأيت ما يعجبك بركت‏؟‏ ‏"‏ ثم قال له‏:‏ ‏"‏ اغتسل له ‏"‏ فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، فصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه، ثم يكفأ القدح وراءه، ففعل ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس‏.‏

وله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال‏:‏ انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل، قال‏:‏ فانطلقا يلتمسان الخمر، قال‏:‏ فوضع عامر جبة كانت عليه من صوف فنظرت إليه فأصبته بعيني، فنزل الماء يغتسل، قال‏:‏ فسمعت له في الماء فرقعة فأتيته فناديته ثلاثا فلم يجبني، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال‏:‏ فجاء يمشي فخاض الماء، فكأني أنظر إلى بياض ساقيه، قال‏:‏ فضرب صدره بيده ثم قال‏:‏ ‏"‏ اللهم اصرف عنه حرها وبردها ووصبها ‏"‏ قال‏:‏ فقام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إذا رأى أحدكم من أخيه أو من نفسه أو من ماله ما يعجبه فليبرك، فإن العين حق ‏"‏‏.‏

وله عند عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لاعدوي ولا طيرة ولا هامة ولا حسد، والعين حق ‏"‏ وغير ذلك من الأحاديث المصرحة بأن العين حق، وسنذكر بعضها أيضا في شرعية الرقى منها وغيرها‏.‏

ولنرجع إلى المقصود من شرح المتن‏:‏ ‏(‏فإن تكن‏)‏؛ أي الرقى ‏(‏من خالص الوحيين‏)‏ الكتاب والسنة، وإضافة خالص إلى الوحيين من إضافة الصفة إلى الموصوف، والمعنى من الوحي الخالص بأن لا يدخل فيه غيره من شعوذة المشعبذين، ولا يكون بغير اللغة العربية، بل يتلو الآيات على وجهها والأحاديث كما رويت وعلى ما تلقيت عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا همز ولا رمز، ‏(‏فذلك‏)‏؛ أي الرقى من الكتاب والسنة هو ‏(‏من هدي النبي‏)‏ صلى الله عليه وسلم الذي كان عليه هو وأصحابه والتابعون بإحسان، ‏(‏و‏)‏ من ‏(‏شرعته‏)‏ التي جاء بها مؤديا عن الله عز وجل‏.‏ ‏(‏وذاك‏)‏ معطوف على ذاك الأول، والمشار إليه بهما واحد، ولكن الخبر في الثاني غير الخبر في الأول، فيكون من عطف الجملة على الجملة، والخبر ‏(‏لا اختلاف في سنيته‏)‏ بين أهل العلم إذ قد ثبت ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وتقريره، فرقاه جبريل عليه السلام، ورقى هو صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمر بها وأقر عليها‏.‏ ولنذكر ما تيسر من الأحاديث في ذلك وبالله التوفيق‏:‏

قال البخاري رحمه الله تعالى‏:‏ باب الرقى بالقرآن والمعوذات، وذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي مات فيه بالمعوذات، فلما ثقل كنت أنفث عليه بهن وأمسح بيد نفسه لبركتها، ثم قال‏:‏ باب الرقى بفاتحة الكتاب، ويذكر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم، فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك، فقالوا‏:‏ هل معكم من دواء أو راق‏؟‏ فقالوا‏:‏ إنكم لم تقرونا ولا نفعل حتى تجعلوا لنا جعلا‏.‏ فجعلوا لهم قطيعا من الشاء، فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ، فأتوا بالشاء فقالوا‏:‏ لا نأخذه حتى نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه فضحك وقال‏:‏ ‏"‏ وما أدراك أنها رقية، خذوها واضربوا لي بسهم ‏"‏‏.‏ ثم قال‏:‏ باب الشرط في الرقية بقطيع من الغنم، وساق فيه بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيه لديغ أو سليم، فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال‏:‏ هل فيكم من راق‏؟‏ إن في الماء رجلا لديغا، أو سليما‏.‏ فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ، فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا‏:‏ أخذت على كتاب الله أجرا، حتى قدموا المدينة فقالوا‏:‏ يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرا‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الذي علقه آنفا عن ابن عباس‏.‏ ثم قال رحمه الله‏:‏ باب رقية العين، وذكر فيه حديث عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر أن يسترقى من العين‏.‏ وحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال‏:‏ ‏"‏ استرقوا لها، فإن بها النظرة ‏"‏‏.‏ وذكر باب ‏"‏ العين حق ‏"‏ ثم قال‏:‏ باب رقية الحية والعقرب، وذكر فيه حديث عبد الرحمن بن الأسد عن أبيه قال‏:‏ سألت عائشة عن الرقية من الحمة فقالت‏:‏ رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة‏.‏ ثم قال‏:‏ باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيه حديث أنس بن مالك رضي الله عنه إذ قال لثابت‏:‏ ألا أرقيك برقية رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ بلى‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ اللهم رب الناس، مذهب الباس، اشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت شفاء لا يغادر سقما ‏"‏‏.‏

وحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض أهلة يمسح بيده اليمنى ويقول‏:‏ ‏"‏ اللهم رب الناس أذهب الباس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ‏"‏‏.‏ وحديثها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي يقول‏:‏ ‏"‏ امسح الباس، رب الناس، بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت ‏"‏‏.‏ وحديثها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول للمريض‏:‏ ‏"‏ بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا- وفي رواية أخرى‏:‏ وريقة بعضنا- يشفى سقيمنا بإذن ربنا ‏"‏‏.‏ وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من العين والحمة والنملة ‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه‏.‏ قال أبو البركات ابن تيمية‏:‏ النملة قروح تخرج في الجنب‏.‏ وعن الشفاء بنت عبد الله قالت‏:‏ دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال‏:‏ ‏"‏ ألا تعلمين هذه رقية النملة ‏"‏‏.‏ الحديث رواه أحمد وأبو داود‏.‏

وعن عوف بن مالك قال‏:‏ كنا نرقي في الجاهلية فقلنا‏:‏ يا رسول الله، كيف ترى في ذلك‏؟‏ فقال‏:‏ ‏"‏ اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بِالرُّقَى ما لم يكن فيه شرك ‏"‏‏.‏ رواه مسلم وأبو داود‏.‏ وعن جابر رضي الله عنه قال‏:‏ نهى رسول لله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم فقالوا‏:‏ يارسول الله، إنها كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ فاعرضوها ‏"‏‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ ما أرى بأسا، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ‏"‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن‏.‏ قال سفيان وهذا أشد ما يكون من السحر إذا كان كذا‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ يا عائشة، أعلمت أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه ‏"‏ الحديث رواه البخاري ومسلم بطوله في مواضع‏.‏ وعن ابن أبي شيبة عن زيد بن أرقم قال‏:‏ سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود قال‏:‏ فاشتكى لذلك أياما‏.‏ قال‏:‏ فأتاه جبريل فقال‏:‏ إن رجلا من اليهود سحرك وعقد لك عقدا‏.‏ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا فاستخرجها، فجاء بها فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة‏.‏ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال‏.‏ ولمسلم عن أبي سعيد الخدري أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ يا محمد، اشتكيت‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قال بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك ‏"‏‏.‏ وعن بريد بن الحصيب رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا رقية إلا من عين أو حمة ‏"‏‏.‏ رواه ابن ماجه هكذا مرفوعا، ورواه مسلم وغيره موقوفا‏.‏

أما الرقي المجهولة المعاني *** فذاك وسواس من الشيطان

وفيه جاء الحديث أنه *** شرك بلا مرية فاحذرنه

إذ كل من يقوله لا يدري *** لعله يكون محض الكفر

أو هو من سحر اليهود مقتبس *** على العوام لبسوه فالتبس

أي أما الرقي التي ليست بعربية الألفاظ ولا مفهومة المعاني ولا مشهورة ولا مأثورة في الشرع البتة، فليست من الله في شيء ولا من الكتاب والسنة في ظل ولا فيء، بل هي وسواس من الشيطان أوحاها إلى أوليائه، كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم‏)‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 121‏)‏ وعليه يحمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود‏:‏ ‏"‏ إن الرقي والتمائم والتولة شرك ‏"‏ وذلك لأن المتكلم به لا يدري أهو من أسماء الله تعالى أو من أسماء الملائكة أو من أسماء الشياطين، ولا يدري هل فيه كفر أو إيمان، وهل هو حق أو باطل أو فيه نفع أو ضر أو رقية أو سحر‏.‏ ولعمر الله لقد انهمك غالب الناس في هذه البلوى غاية الإنهماك واستعملوه على أضرب كثيرة وأنواع مختلفة، فمنه ما يدعون أنه من القرآن أو من السنة ومن أسماء الله المثبتة فيها، وأنهم ترجموه هم من عند أنفسهم بالسريانية أو العبرانية أو غيرها وأخرجوه عن اللغة العربية، ولا أدري إن صدقناهم في دعواهم أهم يعتقدون أنه لا ينفع إذا كان باللغة العربية التي نزل بها القرآن وتكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة حتى يترجموه بالأعجمية، أو أنهم يعتقدون أنه بالأعجمية أنفع منه بالعربية، أو أنه ينفع بالعربية لشيء وبالأعجمية لغيره، ولا تصلح إحداهما فيما تصلح فيه الأخرى، أم ماذا زين لهم الشيطان وسولت لهم أنفسهم، أم ماذا كانوا يفترون‏؟‏

ومما يزعمون أنه من أسماء الله تعالى التي ليست في الكتاب ولا في السنة وأنهم علموها من غيرهما، فمنه ما يدعون أنه دعا به آدم عليه السلام أو نوح أو هود أو غيرهم من الأنبياء، ومنه ما يقولون أنه ليس إلا في أم الكتاب، ومنه ما يقولون هو مكتوب في البيت المعمور، ومنه ما يقولون هو مكتوب على جناح جبريل عليه السلام أو جناح ميكائيل أو جناح إسرافيل أو غيرهم من الملائكة، أو على باب الجنة أو غير ذلك‏.‏ وليت شعري متى طالعوا اللوح المحفوظ فاستنسخوه منه، ومتى رقوا إلى البيت المعمور فقرأوه فيه، ومتى نشرت لهم الملائكة أجنحتها فرأوه، ومتى اطلعوا إلى باب الجنة فشاهدوه، كلما شعوذ مشعبذ وتحذلق متحذلق وأراد الدجل على الناس والتحيل لأخذ أموالهم طلب السبل إلى وجه تلك الحيلة ورام لها أصلا ترجع إليه، فإن وجد شبهة تروج على ضعفاء العقول وأعمياء البصائر، وإلا كذب لهم كذبا محضا وقاسمهم بالله إنه لهم لمن الناصحين فيصدقونه لحسن ظنهم به‏.‏

ومنه أسماء يدعونها تارة يدعون أنها أسماء الملائكة، وتارة يزعمون أنها من أسماء الشياطين، واعتقادهم في هذه الأسماء أنها تخدم هذه السورة أو هذه الآية أو هذا الاسم من أسماء الله تعالى، فيقولون يا خدام سورة كذا أو آية كذا أو اسم كذا، يا فلان ابن فلان ويا فلان ابن فلان أجيبوا أجيبوا، العجل العجل ونحو ذلك‏.‏ وما من سورة من القرآن ولا آية منه ولا اسم من أسماء الله يعرفونه إلا وقد انتحلوا له خداما ودعوهم له، ساء ما يفترون‏.‏ وتارة يكتبون السورة أو الآية ويكررونها مرات عديدة بهيئات مختلفة، حتى يجعلون أولها آخرا وآخرها أولا، وأوسطها أولا في موضع وآخرا في آخر، وتارة يكتبونها بحروف مقطعة كل حرف على حدته ويزعمون أن لها بهذه الهيئة خصوصية ليست لغيرها من الهيئات، ولا أدري من أين أخذوها وعمن نقلوها، ما هي إلا وساوس شيطانية زخرفوها وخرافات مضلة ألفوها، وأكاذيب مختلفة لفقوها، لم ينزل الله بها من سلطان ولا يعرف لها أصل في سنة ولا قرآن، ولم تنقل عن أحد من أهل الدين والإيمان، إن هؤلاء إلا كاذبون أفاكون مفترون، وسيجزون على ما كانوا يعملون‏.‏

وتارة يكتبون رموزا من الأعداد العربية المعروفة من آحاد وعشرات ومئات وألوف وغيرها يزعمون أنها رموز إلى حروف آية أو سورة أو اسم أو شيء مما قدمنا بحساب الحروف الأبجدية المعروفة عند العرب، وغير ذلك من الخرافات الباطلة والأكاذيب المفتعلة المختلقة، وغالبها مأخوذ من الأمة الغضبية الذين أخذوا السحر عن الشياطين وتعلموه منهم، ثم أدخلوا ذلك على أهل الإسلام بصفة أنه من القرآن أو السنة أو أسماء الله تعالى، وأنهم إنما غيروا ألفاظه وترجموها بغير العربية لمقاصد لا تتم بزعمهم إلا بذلك، ومنها ما هو من عباد الملائكة والشياطين ونحوهم، يأخذون أسماءهم ويقولون للجهال هي أسماء الله ليروجوا الشرك بذلك عليهم، فيدعون غير الله من دونه وهذه مكيدة لم يقدر عليها إبليس إلا بواسطة هؤلاء المضلين، وهو‏:‏ ‏(‏إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير‏)‏ ‏(‏فاطر‏:‏ 6‏)‏ والله تعالى يقول‏:‏ ‏(‏أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون‏)‏ ‏(‏العنكبوت‏:‏ 51‏)‏ ‏(‏ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور‏)‏ ‏(‏النور‏:‏ 40‏)‏‏.‏

فتحصل من هذا أن الرقى لا تجوز إلا باجتماع ثلاثة شروط، فإذا اجتمعت فيها كانت رقية شرعية، وإن اختل منها شيء كان بضد ذلك‏:‏

الأول‏:‏ أن تكون من الكتاب والسنة فلا تجوز من غيرهما‏.‏

الشرط الثاني‏:‏ أن تكون باللغة العربية محفوظة ألفاظها مفهومة معانيها فلا يجوز تغييرها إلى لسان آخر‏.‏

الثالث‏:‏ أن يعتقد أنها سبب من الأسباب لا تأثير لها إلا بإذن الله عز وجل، فلا يعتقد النفع فيها لذاتها، بل فعل الراقي السبب والله هو المسبب إذا شاء‏.‏

التمائم والحجب

وفي التمائم المعلقات *** إن تك آيات مبينات

فالاختلاف واقع بين السلف *** فبعضهم أجازها والبعض كف

‏(‏وفي التمائم المعلقات‏)‏؛ أي التي تعلق على الصبيان والدواب ونحوها إن تك هي؛ أي التمائم ‏(‏آيات‏)‏ قرآنية ‏(‏مبينات‏)‏ وكذلك إن كانت من السنن الصحيحة الواضحات فالاختلاف في جوازها واقع بين السلف من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم ‏(‏فبعضهم‏)‏؛ أي بعض السلف ‏(‏أجازها‏)‏، يروى ذلك عن عائشة رضي الله عنها وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهما من السلف، والبعض منهم ‏(‏كف‏)‏؛ أي منع ذلك وكرهه ولم يره جائزا، منهم عبد الله بن عكيم وعبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر وعبد الله بن مسعود وأصحابه كالأسود وعلقمة ومن بعدهم كإبراهيم النخعي وغيرهم رحمهم الله تعالى‏.‏ ولا شك أن منع ذلك أسد لذريعة الاعتقاد المحظور، لا سيما في زماننا هذا، فإنه إذا كرهه أكثر الصحابة والتابعين في تلك العصور الشريفة المقدسة والإيمان في قلوبهم أكبر من الجبال، فلأن يكره في وقتنا هذا وقت الفتن والمحن أولى وأجدر بذلك، كيف وهم قد توصلوا بهذه الرخص إلى محض المحرمات وجعلوها حيلة ووسيلة إليها، فمن ذلك أنهم يكتبون في التعاويذ آية أو سورة أو بسملة أو نحو ذلك ثم يضعون تحتها من الطلاسم الشيطانية ما لا يعرفه إلا من اطلع على كتبهم، ومنها أنهم يصرفون قلوب العامة عن التوكل على الله عز وجل إلى أن تتعلق قلوبهم بما كتبوه، بل أكثرهم يرجفون بهم ولم يكن قد أصابهم شيء، فيأتي أحدهم إلى من أراد أن يحتال على أخذ ماله مع علمه أنه قد أولع به فيقول له‏:‏ إنه سيصيبك في أهلك أو في مالك أو في نفسك كذا وكذا، أو يقول له‏:‏ إن معك قرينا من الجن أو نحو ذلك ويصف له أشياء ومقدمات من الوسوسة الشيطانية موهما أنه صادق الفراسة فيه شديد الشفقة عليه حريص على جلب النفع إليه، فإذا امتلأ قلب الغبي الجاهل خوفا مما وصف له حينئذ أعرض عن ربه وأقبل على ذلك الدجال بقلبه وقالبه والتجأ إليه وعول عليه دون الله عز وجل، وقال له‏:‏ فما المخرج مما وصفت وما الحيلة في دفعه‏؟‏ كأنما بيده الضر والنفع، فعند ذلك يتحقق فيه أمله ويعظم طمعه فيما عسى أن يبذله له فيقول له‏:‏ إنك إن أعطيتني كذا وكذا كتبت لك من ذلك حجابا طوله كذا وعرضه كذا، ويصف له ويزخرف له في القول، وهذا الحجاب علقه من كذا وكذا من الأمراض أترى هذا- مع هذا الاعتقاد- من الشرك الأصغر، لا بل هو تأله لغير الله وتوكل على غيره والتجاء إلى سواه وركون إلى أفعال المخلوقين وسلب لهم من دينهم، فهل قدر الشيطان على مثل هذه الحيل إلا بوساطة أخيه من شياطين الإنس‏؟‏‏:‏ ‏(‏قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن بل هم عن ذكر ربهم معرضون‏)‏ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 42‏)‏‏.‏

ثم إنه يكتب فيه مع طلاسمه الشيطانية شيئا من القرآن ويتعلقه على غير طهارة ويحدث الحدث الأصغر والأكبر وهو معه أبدا لا يقدسه عن شيء من الأشياء، تالله ما استهان بكتاب الله أحد من أعدائه استهانة هؤلاء الزنادقة المدعين الإسلام به، والله ما نزل القرآن إلا لتلاوته والعمل به وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق خبره والوقوف عند حدوده والاعتبار بأمثاله والاتعاظ بقصصه والإيمان به، كل من عند ربنا، وهؤلاء قد عطلوا ذلك كله ونبذوه وراء ظهورهم ولم يحفظوا إلا رسمه كي يتأكلوا به ويكتسبوا كسائر الأسباب التي يتوصلون بها إلى الحرام لا الحلال، ولو أن ملكا أو أميرا كتب كتابا إلى من هو تحت ولايته أن افعل كذا واترك كذا، وأمر من في جهتك بكذا وانههم عن كذا ونحو ذلك، فأخذ ذلك الكتاب ولم يقرأه ولم يتدبر أمره ونهيه ولم يبلغه إلى غيره ممن أمر بتبليغه إليه، بل أخذه وعلقه في عنقه أو عضده ولم يلتفت إلى شيء مما فيه البتة لعاقبه الملك على ذلك أشد العقوبة ولسامه سوء العذاب، فكيف بتنزيل جبار السماوات والأرض، الذي له المثل الأعلى في السماوات والأرض وله الحمد في الأولى والآخرة وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه، هو حسبي لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم‏.‏

وإن تكن مما سوى الوحيين *** فإنها شرك بغير مين

بل إنها قسيمة الأزلام *** في البعد عن سيما أولي الإسلام

‏(‏وإن تكن‏)‏؛ أي التمائم ‏(‏مما سوى الوحيين‏)‏ بل من طلاسم اليهود وعباد الهياكل والنجوم والملائكة ومستخدمي الجن ونحوهم، أو من الخرز أو الأوتار أو الحلق من الحديد وغيره، ‏(‏فإنها شرك‏)‏؛ أي تعلقها شرك ‏(‏بدون مين‏)‏؛ أي شك، إذ ليست من الأسباب المباحة والأدوية المعروفة، بل اعتقدوا فيها اعتقادا محضا أنها تدفع كذا وكذا من الآلام لذاتها لخصوصية زعموا فيها كاعتقاد أهل الأوثان في أوثانهم، ‏(‏بل إنها قسيمة‏)‏؛ أي شبيهة ‏(‏الأزلام‏)‏ التي كان يستصحبها أهل الجاهلية في جاهليتهم ويستقسمون بها إذا أرادوا أمرا، وهي ثلاثة قداح مكتوب على أحدها‏:‏ افعل، والثاني‏:‏ لا تفعل، والثالث‏:‏ غفل، فإن خرج في يده الذي فيه افعل مضى لأمره، أو الذي فيه لا تفعل ترك ذلك، أو الغفل أعاد استقسامه‏.‏ وقد أبدلنا الله تعالى- وله الحمد- خيرا من ذلك‏:‏ صلاة الاستخارة ودعاءها‏.‏

والمقصود أن هذه التمائم التي من غير القرآن والسنة شريكة للأزلام وشبيهة بها من حيث الاعتقاد الفاسد والمخالفة للشرع ‏(‏في البعد عن سيما أولي الإسلام‏)‏؛ أي عن زي أهل الإسلام، فإن أهل التوحيد الخالص من أبعد ما يكون عن هذا وهذا، والإيمان في قلوبهم أعظم من أن يدخل عليه مثل هذا، وهم أجل شأنا وأقوى يقينا من أن يتوكلوا على غير الله أو يثقوا بغيره‏.‏ وبالله التوفيق‏.‏

فصل‏:‏

من الشرك فعل من يتبرك بشجرة أو حجر أو بقعة

أو قبر أو نحوها يتخذ ذلك المكان عيدا

وبيان أن الزيارة تنقسم إلى سنية وبدعية وشركية

هذا ومن أعمال أهل الشرك *** من غير ما تردد أو شك

ما يقصد الجهال من تعظيم ما *** لم يأذن الله بأن يعظما

كمن يلذ ببقعة أو حجر *** أو قبر ميت أو ببعض الشجر

متخذا لذلك المكان *** عيدا كفعل عابدي الأوثان

‏(‏هذا‏)‏؛ أي الأمر ولإشارة إلى ما تقدم ‏(‏ومن أعمال أهل الشرك‏)‏ التي لا يفعلها غيرهم ولا تليق إلا بعقولهم السخيفة وأفئدتهم الضعيفة وقلوبهم المطبوع عليها، وأبصارهم المغشي عليها ‏(‏ما‏)‏ أي الذي لم يأذن الله عز وجل في كتابه ولا سنة نبيه ‏(‏بأن يعظما‏)‏ بألف الإطلاق، وأن ومدخولها في تأويل مصدر؛ أي لم يأذن الله بتعظيمه ذلك التعظيم الذي منحه إياه من لم يفرق بين حق الله تعالى وحقوق عباده من النبيين والأولياء وغيرهم، بل لم يفرق بين أولياء الله وأعدائه، ولا بين طاعته ومعصيته فيتخذ من دون الله أندادا وهو يرى أن ذلك الذي فعله قربة وطاعة لله وأن الله يحب ذلك ويرضاه، ويكذب الرسل ويدعي أنه من أتباعهم، ويوالي أعداء الله وهو يظنهم أولياءه، كفعل اليهود والنصارى يجاهرون الله بالمعاصي ويكذبون كتابه ويغيرونه ويبدلونه ويحرفون الكلم عن مواضعه ويقتلون الأنبياء بغير الحق وينسبون لله سبحانه وتعالى الولد ويفعلون الأفاعيل، ويقولون نحن أبناء الله وأحباؤه وهم البغضاء إلى الله وأعداؤه‏.‏

وسبب هذا كله في الأمم الأولى والأخرى هو الإعراض عن الشريعة وعدم الاهتمام لمعرفة ما احتوت عليه الكتب من البشارة والنذارة والأمر والنهي والحلال والحرام والوعد والوعيد، ومعرفة ما يجب لله على عباده فعله وما يجب تركه، ‏(‏كمن يلذ ببقعة‏)‏ أي يعوذ بها ويختلف إليها ويتبرك بها ولو بعبادة الله تعالى عندها، وتقدم تقييد ذلك بما لم يأذن به الله، فيخرج بهذا القيد ما أذن الله تعالى بتعظيمه كتعظيم بيته الحرام بالحج إليه وتعظيم شعائر الله من المشاعر والمواقف وغيرها، فإن ذلك تعظيم لله عز وجل الذي أمر بذلك لا لتلك البقعة ذاتها كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما استلم الحجر الأسود‏:‏ أما والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك‏.‏ وكذلك التعظيم أيضا نفسه إنما أردنا منع تعظيم لم يأذن الله به لا المأذون فيه فإن الله تعالى قد أمر بتعظيم الرسل بأن يطاعوا فلا يعصوا ويحبوا ويتبعوا، وأن طاعة الرسول هي طاعة الله عز وجل ومعصيته معصية الله عز وجل، فهذا تعظيم لا يتم الإيمان بالله إلا به؛ إذ هو عين تعظيم الله تعالى، فإنهم إنما عظموا لأجل عظمة المرسل سبحانه وتعالى، وأحبوا لأجله واتبعوا على شرعه، فعاد ذلك إلى تعظيم الله عز وجل، فلو أن أحدا عظم رسولا من الرسل بما لم يأذن الله به ورفعه فوق منزلته التي أنزله الله عز وجل وغلا فيه حتى اعتقد فيه شيئا من الإلهية لانعكس الأمر وصار عين التنقص والإستهانة بالله وبرسله كفعل اليهود والنصارى الذي ذكر الله عز وجل عنهم من غلوهم في الأنبياء والصالحين كعيسى وعزير، فكذبوا بالكتاب وتنقصوا الرب عز وجل بنسبة الولد إليه وغير ذلك، وكذبوا الرسل في قوله‏:‏ ‏(‏إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا‏)‏ ‏(‏مريم‏:‏ 30‏)‏ فصار ذلك التعظيم في اعتقادهم هو عين التنقص والشتم، سبحان الله عما يصفون وسلام على المرسلين‏.‏

‏(‏أوحجر أو قبر ميت، أو ببعض الشجر‏)‏ أو غير ذلك من العيون ونحوها، ولو بعبادة الله عندها، فإن ذلك ذريعة إلى عبادتها ذاتها كما فعل إبليس لعنه الله بقوم نوح حيث أشار عليهم بتصوير صالحيهم ثم بالعكوف على قبورهم وصورهم وعبادة الله عندها إلى أن أشار عليهم بعبادتها ذاتها من دون الله تعالى فعبدوها، ‏(‏متخذا لذلك المكان‏)‏ من القبور والأشجار والعيون والبقاع وغيرها ‏(‏عيدا‏)‏ أي ينتابها ويعتاد الاختلاف إليها ‏(‏كفعل عابدي الأوثان‏)‏ في تعظيمهم أوثانهم واعتيادهم إليها، ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم العكوف على الأشجار وتعليق الأسلحة بها على جهة التعظيم تألها كما في الترمذي عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر وللمشركين سدرة يعكفون عليها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها‏:‏ ‏"‏ ذات أنواط ‏"‏ فمررنا بسدرة فقلنا‏:‏ يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ ‏(‏اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون‏)‏ لتركبن سنن من قبلكم ‏"‏‏.‏

ولقد عمت البلوى بذلك وطمت في كل زمان ومكان، حتى في هذه الأمة لا سيما زماننا هذا ما من قبر ولا بقعة يذكر لها شيء من الفضائل ولو كذبا إلا وقد اعتادوا الاختلاف إليها والتبرك بها، حتى جعلوا لها أوقاتا معلومة يفوت عيدهم بفواتها ويرون من أعظم الخسارات أن يفوت الرجل ذلك العيد المعلوم، وآل بهم الأمر إلى أن صنفوا في أحكام حجهم إليها كتبا سموها مناسك حج المشاهد، ومن أخل بشيء منها فهو عندهم أعظم جرما ممن أخل بشيء من مناسك الحج إلى بيت الله الحرام، وجعلوا لها طوافا معلوما كالطواف بالبيت الحرام، وشرعوا تقبيلها كما يقبل الحجر الأسود، حتى قالوا‏:‏ إن زحمت فاستلم بمحجن أو أشر إليه، قياسا على فعل النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر الأسود، وشرعوا لها نذورا من المواشي والنقود، ووقفوا عليها الوقوف من العقارات والحرث وغيرها، وغير ذلك من شرائعهم الشيطانية وقواعدهم الوثنية‏.‏ وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر النصوص النبوية في سد ذرائع الشرك في الفصل الآتي وبالله التوفيق‏.‏

زيارة القبور

ثم الزيارة على أقسام *** ثلاثة يا أمة الإسلام

فإن نوى الزائر فيما أضمره *** في نفسه تذكرة بالآخرة

ثم الدعا له وللأموات *** بالعفو والصفح عن الزلات

ولم يكن شد الرحال نحوها *** ولم يقل هجرا كقول السفها

فتلك سنة أتت صريحة *** في السنن المثبتة الصحيحة

‏(‏ثم الزيارة‏)‏؛ أي زيارة القبور تأتي ‏(‏على أقسام ثلاثة‏)‏‏:‏

زيارة سنية، وزيارة بدعية، وزيارة شركية، فتفهموها ‏(‏يا أولي الإسلام‏)‏‏.‏

والبداءة بالشرعية لشرفها والندب إليها، ثم البدعية لكونها أخف جرما من الشركية، ثم هي بعد ذلك‏.‏ ‏(‏فإن نوى الزائر‏)‏ للقبور ‏(‏فيما أضمره في نفسه‏)‏؛ أي كانت نيته بتلك الزيارة ‏(‏تذكرة بالآخرة‏)‏؛ أي ليتعظ بأهل القبور ويعتبر بمصارعهم؛ إذ كانوا أحياء مثله يؤملون الآمال ويخولون الأموال ويجولون في الأقطار بالأيام والليال، ويطمعون في البقاء ويستبعدون الارتحال، فبينما هم كذلك إذا بصارخ الموت قد نادى فاستجابوا له على الرغم جماعات وفرادى، وأبادهم ملوكا ونوابا وقوادا وأجنادا، وقدموا على ما قدموا غيا كان أو رشادا، وصار لهم التراب لحفا ومهادا، بعد الغرف العالية التي كان عليها الحجاب أرصادا تساوى فيها صغيرهم وكبيرهم وغنيهم وفقيرهم وشريفهم وحقيرهم ومأمورهم وأميرهم‏.‏ اتفق ظاهر حالهم واتحد، ولا فرق للناظر إليهم يميز به أحدا من أحد‏.‏ وأما باطنا فالله أكبر لو كشف للناظرين الحجاب، لرأوا من الفروق العجب العجاب، فهؤلاء لهم طوبى وحسن مآب، وأولئك في أسوإ حالة وأشد العذاب، فليعلم الواقف عليهم الناظر إليهم أنه بهم ملتحق ولإحدى الحالتين مستحق، فليتأهب لذلك وليتب إلى العزيز المالك وليلتجيء إليه من شر كل ما هنالك‏.‏

‏(‏ثم‏)‏ قصد أيضا ‏(‏الدعا‏)‏ أي دعاء الله عز وجل ‏(‏له‏)‏ أي لنفسه ‏(‏وللأموات‏)‏ من المسلمين بالعفو من الله عز وجل ‏(‏والصفح عن الزلات‏)‏ وكذا يدعو لسائر المسلمين بذلك ‏(‏و‏)‏ مع ذلك ‏(‏لم يكن شد الرحال نحوها‏)‏ الضمير للقبور، لما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد‏:‏ المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ‏"‏‏.‏ ‏(‏ولم يقل هجرا‏)‏؛ أي محظورا شرعا ‏(‏كقول‏)‏ بعض ‏(‏السفها‏)‏ لما في السنن من حديث بريدة قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فمن أراد أن يزور فليزر، ولا تقولوا هجرا ‏"‏‏.‏ ‏(‏فتلك‏)‏ الإشارة إلى النوع المذكور من الزيارة ‏(‏سنة‏)‏ طريقة نبوية ‏(‏أتت صريحة‏)‏؛ أي واضحة ظاهرة ‏(‏في السنن‏)‏؛ أي الأحاديث ‏(‏المثبتة‏)‏ في دواوين الإسلام ‏(‏الصحيحة‏)‏ سندا ومتنا، منها حديث بريدة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فقد أذن لمحمد صلى الله عليه وسلم في زيارة قبر أمه فزوروها، فإنها تذكر الآخرة ‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وصححه‏.‏

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزورها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ‏"‏ رواه الجماعة‏.‏ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال‏:‏ ‏"‏ السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ‏"‏ رواه أحمد ومسلم والنسائي‏.‏ ولأحمد من حديث عائشة رضي الله عنها مثله، وزاد‏:‏ ‏"‏ اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم ‏"‏‏.‏

وعن بريدة قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم‏:‏ ‏"‏ السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية ‏"‏‏.‏ رواه أحمد ومسلم وابن ماجه، زاد مسلم في رواية‏:‏ ‏"‏ يرحم الله المتقدمين منا ومنكم والمتأخرين ‏"‏‏.‏ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال‏:‏ ‏"‏ السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر ‏"‏‏.‏ رواه الترمذي وقال‏:‏ حسن‏.‏ وكذلك الأحاديث في خروجه صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد كثيرا، يدعو لهم ويترحم عليهم‏.‏

وكان الصحابة إذا أتوا قبره صلى الله عليه وسلم صلوا وسلموا عليه فحسب، كما كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول‏:‏ السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه‏.‏ وكذا التابعون ومن بعدهم من أعلام الهدى ومصابيح الدجى، لم يذكر عنهم في زيارة القبور غير العمل بهذه الأحاديث النبوية، وأفعال الصحابة لم يعدلوا عنها ولم يستبدلوا بها غيرها، بل وقفوا عندها، فهذه الزيارة الشرعية المستفادة من الأحاديث النبوية وعليها درج الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان، إنما فيها التذكر بالقبور والاعتبار بأهلها والدعاء لهم والترحم عليهم وسؤال الله العفو عنهم، فمن ادعى غير هذا طولب بالبرهان، وأنى له ذلك ومن أين يطلبه‏؟‏ بل كذب وافترى وقفا ما ليس له به علم‏.‏ بلى إن العلوم الشرعية دالة على ضلاله وجهله‏.‏

‏(‏أو قصد الدعاء‏)‏ من الصلاة وغيرها أو الاعتكاف عند قبورهم أو نحو ذلك ‏(‏والتوسلا‏)‏ بألف الإطلاق ‏(‏بهم‏)‏ أي بأهل القبور ‏(‏إلى الرحمن جل وعلا‏)‏ عما ائتفكه أهل الزيغ والضلال ‏(‏فبدعة محدثة‏)‏ لم يأذن الله تعالى بها ‏(‏ضلالة‏)‏ كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ كل بدعة ضلالة ‏"‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ‏"‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم في رواية‏:‏ ‏"‏ من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ‏"‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة ‏"‏ وغير ذلك‏.‏ فإن من قال‏:‏ اللهم إني أسألك بجاه فلان، وهو ميت أو غائب، وإن كان يرى أنه لم يدع إلا الله ولم يعبد سواه، فهو قد عبد الله بغير ما شرع وابتدع في الدين ما ليس منه واعتدى في دعائه، ودعا الله بغير ما أمره أن يدعوه به، فإن الله تعالى إنما أمرنا أن ندعوه بأسمائه الحسنى، كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها‏)‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 180‏)‏ ولم يشرع لنا أن ندعوه بشيء من خلقه البتة، بل قد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن نقسم بشيء من المخلوقات مطلقا، فكيف بالإقسام بها على الله عز وجل‏.‏

وأما حديث الأعمى الذي يحتج به المجوزون للتوسل بالمقبور فلا حجة لهم فيه بحمد الله لو فهموا معناه ووضعوه موضعه، ولكنهم أخطأوا في تأويله ولم يوفقوا لفهم مدلوله، فإن هذا الحديث بجميع ألفاظه هو بمعزل عن مدعاهم، وهذه ألفاظه من الكتب التي خرج فيها‏:‏ قال الترمذي رحمه الله تعالى‏:‏ حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عثمان بن عمر حدثنا شعبة عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ادع الله أن يعافيني‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فادعه‏.‏ قال‏:‏ فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ويدعو بهذا الدعاء‏:‏ ‏"‏ اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في ‏"‏‏.‏ هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي ا هـ‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر بالاستقراء أن أبا جعفر هذا هو الرازي التيمي مولاهم مشهور بكنيته، وهو من رجال الأربعة واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان، وأصله من مرو كان يتجر إلى الري، روى عن عطاء وعمرو بن دينار وقتادة، وعنه أبو عوانة وشعبة كما في هذا الحديث، قال ابن معين‏:‏ ثقة، وقال ابن المديني‏:‏ ثقة يخلط عن المغيرة، وقال الفلاس‏:‏ سيء الحفظ، وقال أبو حاتم‏:‏ ثقة صدوق صالح الحديث، وقال في التقريب‏:‏ صدوق سيء الحفظ خصوصا عن المغيرة من كبار السابعة مات في حدود الستين ومائة‏.‏ والظاهر من عباراتهم أن تخليطه عن المغيرة خاصة وهو ثبت فيمن سواه‏.‏ وبهذا يجمع بين قول من يضعفه وقول من يوثقه، كيف ومن الموثقين له شيخا البخاري يحيى بن معين، وعلي بن المديني وهما هما‏.‏ والله أعلم‏.‏

ورواه النسائي عن عثمان بن حنيف ولفظه‏:‏ أن رجلا أعمى قال‏:‏ يا رسول الله، ادع الله أن يكشف لي عن بصري‏.‏ قال‏:‏ فانطلق فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قال‏:‏ ‏"‏ اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي أن يكشف عن بصري، اللهم فشفعه في ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ فرجع وقد كشف الله بصره‏.‏ وقال أحمد رحمه الله تعالى في مسنده‏:‏ حدثنا روح حدثنا شعبة عن عمير بن يزيد الخطمي المديني قال‏:‏ سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا نبي الله ادع الله أن يعافيني‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ إن شئت أخرت ذلك فهو أفضل لآخرتك، وإن شئت دعوت لك ‏"‏‏.‏ قال‏:‏ بل ادع الله لي‏.‏ فأمره أن يتوضأ وأن يدعو بهذا الدعاء‏:‏ ‏"‏ اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي، اللهم فشفعني فيه وشفعه في ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ عمير بن يزيد الخطمي هذا هو أبو جعفر الذي فرق الترمذي بينه وبين أبي جعفر المذكور في روايته، وقد قلنا الظاهر أنه هو الرازي التيمي وكلاهما شيخ لشعبة وكلاهما صدوق، فيحتمل أن كلا منهما سمعه من عمارة، وسمعه شعبة من كليهما، وحدث به مرة عن هذا ومرة عن هذا، فرواه عثمان بن عمر عن شعبة عن أبي جعفر الرازي التيمي، وسمعه روح منه عن الخطمي فحدث به كذلك، والله عز وجل أعلم‏.‏

والمقصود أن هذا الحديث إن جزمنا بصحته فليس فيه لهم حجة ولا دليل على ما انتحلوه بأفكارهم الخاطئة، فإن هذا الأعمى إنما سأل من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء له بكشف بصره وهو حي حاضر قادر على ما سأله منه وهو الدعاء، وهو يؤمن على ذلك ويقول‏:‏ اللهم شفعه في، فسأل من النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء، وسأل قبول دعائه من الله عز وجل لعلمهم التام بالإيمان بالله عز وجل وأنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، وبهذا أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله تعالى فاجتمع الدعاء من الجهتين‏.‏ وهكذا كان الصحابة رضي الله عنهم كثيرا ما كانوا يسألون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم بالنصر وأن يستسقي لهم إذا أجدبوا، وبتكثير الطعام كما سأل منه عمر رضي الله عنه في غزوة تبوك وقالت له أم أنس‏:‏ خويدمك أنس ادع الله تعالى له‏.‏ وأمثال ذلك في حياته الدنيا مما لا يحصى، وكذلك في موقف القيامة يسأل الخلائق من أولي العزم أن يشفعوا لهم إلى ربهم في فصل القضاء واحدا بعد واحد حتى تنتهي إليه صلى الله عليه وسلم، فيذهب ويسجد تحت العرش ويحمد الله تعالى ويثني عليه، إلى أن يقول له‏:‏ ‏"‏ ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع ‏"‏‏.‏ وذلك إذا أذن الله عز وجل له في الشفاعة التي وعده إياها كما سيأتي تقريره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر وهو ذاهب للعمرة‏:‏ ‏"‏ لا تنسنا من دعائك ‏"‏‏.‏

وكذلك استسقى عمر رضي الله عنه بالعباس والصحابة متوافرون كما في صحيح البخاري‏:‏ ‏"‏ اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ‏"‏‏.‏ وكان من دعاء العباس يومئذ‏:‏ ‏"‏ اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ولا يكشف إلا بتوبة، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث ‏"‏‏.‏ ذكره الزبير بن بكار، وكان ذلك الجدب عام الرمادة‏.‏

وكذلك قال معاوية لما استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي فقال‏:‏ ‏"‏ اللهم إنا نستشفع- أو نتوسل- إليك بخيارنا، يا يزيد ارفع يديك‏.‏ فرفع يديه ودعا الناس حتى سقوا، فكان أفضل القرون يسألون الله عز وجل ويلتمسون الصالحين منهم الحاضرين عندهم أن يسألوا الله عز وجل لهم ولهم، وتوسلهم إنما كان بدعائهم لا بذواتهم، وهذا جائز في كل زمان ومكان أن تسأل من عبد صالح حاضر عندك أن يدعو لك وتؤمن أنت على دعائه، أو تسأل من مسافر الدعاء بظهر الغيب ونحو ذلك، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ودرج عليه السلف الصالح رحمهم الله تعالى، ولو كان ذلك عندهم جائزا- أعني التوسل بالذوات- لم يحتج الأعمى أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه الدعاء، بل كان يتوسل به في محله أينما كان، إذ لا فائدة زائدة في مجيئه إليه على هذا المعنى‏.‏ وكذلك عمر والصحابة معه لم يكونوا ليعدلوا عن ذاته صلى الله عليه وسلم إلى ذات العباس لو كان التوسل بالذوات لا بالدعاء، وكذا معاوية وأصحابه لم يكونوا ليعدلوا عن ذاته صلى الله عليه وسلم إلى يزيد بن الأسود، ولم يطلبوا منه الدعاء‏.‏

ولما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر إذا وجد أويسا أن يطلب منه الاستغفار، بل كان يكفيه أن يقول‏:‏ اللهم بحق أويس القرني‏.‏ ولم يعرف هذا عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان أنه فعل ذلك التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بغيره من الأنبياء ولا بأحد من أفاضلهم الأولياء بعد موته، ولو كانوا بالذوات يتوسلون في حال حياتهم لم يكن فرق بين ذلك وبين مماتهم، وهذا في التوسل بأهل القبور عام عند القبر وغيره‏.‏ وأما عبادة الله عند القبور كالصلاة عندها والعكوف عليها فهو أشد وأغلظ؛ لأنه ذريعة مفضية إلى عبادة المقبور نفسه كما قدمنا عن قوم نوح من استدراج الشيطان لهم، وكذلك فعل بغالب هذه الأمة والعياذ بالله، لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلَّى على القبور أو إليها، وغلظ في ذلك ودعا على فاعله باللعنة وشدة الغضب كما سيأتي في الفصل الآتي قريبا إن شاء الله تعالى‏.‏

وإن دعا المقبور نفسه فقد *** أشرك بالله العظيم وجحد

لن يقبل الله تعالى منه *** صرفا ولا عدلا فيعو عنه

إذ كل ذنب موشك الغفران *** إلا اتخاذ الند للرحمن

‏(‏وإن دعا‏)‏ الزائر ‏(‏المقبور نفسه‏)‏ من دون الله عز وجل وسأل منه ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل من جلب خير أو دفع ضر أو شفاء مريض أو رد غائب أو نحو ذلك من قضاء الحوائج، فقد أشرك في فعله ذلك بالله العظيم المتعالي عن الأضداد والأنداد والكفء والولي والشفيع بدون إذنه، وجحد حق الله عز وجل على عباده وهو إفراده بالتوحيد وعبادته وحده لا شريك له ونفي ضد ذلك عنه قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون‏)‏ ‏(‏المؤمنون‏:‏ 117‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله‏)‏ ‏(‏يونس‏:‏ 106- 107‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين‏)‏ ‏(‏الأحقاف‏:‏ 5- 6‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين‏)‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 194‏)‏ الآيات‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏(‏يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ما قدروا الله حق قدره‏)‏ ‏(‏الحج‏:‏ 73‏)‏ الآيات‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعون دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير‏)‏ ‏(‏فاطر‏:‏ 13‏)‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏(‏أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه‏)‏ ‏(‏الإسراء‏:‏ 57‏)‏ الآيات‏.‏ وغيرها ما لا يحصى، يخبر الله تعالى أن من دعا مع الله إلها آخر ولو لحظة فقد كفر، وإن مات على ذلك فلا فلاح له أبدا، ولو فعل ذلك نبيه لكان من الظالمين وأنه لا كاشف للضر غيره ولا جالب للخير سواه، وأنه لا أضل ممن يدعو من دونه سواه، وأن من عبد من دون الله يكون عدوا لعابده يوم القيامة وكافرا بعبادته إياه من دون الله تعالى، وأنهم كلهم عباد مثل عابديهم مخلوقون مربوبون مملوكون تحت تصرف الله وقهره لا يستجيبون لمن دعاهم ولا يقدرون على استنقاذ ما استلبه الذباب، فكيف يقدرون على قضاء شيء من حوائج عابديهم‏؟‏ بل قد أخبرنا الله عز وجل أنهم لا يسمعون دعاء من دعاهم ولو سمعوا دعاءه ما استجابوا له، وأخبرنا أن من عبدوهم من الصالحين كالملائكة وعيسى وعزير وغيرهم، أنهم لا يملكون كشف ضر من دعاهم ولا تحويله من حال إلى حال، بل هم يبتغون الوسيلة إلى ربهم والقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، فينبغي للعباد الاقتداء بهم في ذلك الابتغاء والرجاء والخوف من الله عز وجل، لا دعاؤهم دونه، تعالى الله عما يشركون‏.‏

‏(‏لا يقبل الله تعالى منه‏)‏ أي من ذلك الداعي مع الله غيره المتخذ من دونه أولياء، ‏(‏صرفا‏)‏ أي نافلة ‏(‏ولا عدلا‏)‏ أي ولا فريضة ‏(‏فيعفو عنه‏)‏ في ذلك؛ لأن الكافر عمله لا شيء، قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا‏)‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 105‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا‏)‏ ‏(‏الفرقان‏:‏ 23‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء‏)‏ ‏(‏إبراهيم‏:‏ 18‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا‏)‏ ‏(‏النور‏:‏ 39‏)‏ الآيات‏.‏ وقال تعالى لصفوة خلقه وهم الرسل عليهم الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون‏)‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 88‏)‏ وقال لسيدهم وخاتمهم وأكرمهم على ربه تعالى‏:‏ ‏(‏ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين‏)‏ ‏(‏الزمر‏:‏ 65‏)‏‏.‏

‏(‏إذ‏)‏ حرف تعليل ‏(‏كل ذنب‏)‏ لقي العبد ربه به ‏(‏موشك الغفران‏)‏ أي يرجى ويؤمل أن يغفر ويعفى عنه ‏(‏إلا اتخاذ الند للرحمن‏)‏ فإن ذلك لا يغفر ولا يخرج صاحبه من النار ولا يجد ريح الجنة‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 48‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 116‏)‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏(‏من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار‏)‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 72‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق‏)‏ ‏(‏الحج 31‏)‏‏.‏ وقد قدمنا في ذلك من الآيات والأحاديث ما فيه كفاية في الدلالة على ما وراءه، ولله الحمد والمنة‏.‏

فصل‏:‏ في بيان ما وقع فيه العامة اليوم مما يفعلونه عند القبور وما يرتكبونه من الشرك الصريح والغلو المفرط في الأموات

هذا الفصل هو المقصود بالذات من ذكر ما قبله من تقسيم الزيارة إلى ثلاثة أقسام، وهي تمهيد له، فإنما هو المقصود من ذكر ضلال الأمم الأولى هو تحذير الأحياء الموجودين لئلا يقعوا فيما وقعوا فيه، وزجر من وقع منهم عما وقع فيه لئلا يحل بهم ما حل بهم من النكال، كما أن الله سبحانه وتعالى ما قص علينا من أخبار الأمم الأولى إلا لنتعظ بهم ونعتبر بمصارعهم ولنعلم أسباب هلاكهم فنتقيه ونعلم سبل النجاة التي سلكها رسل الله وأولياؤه ففازوا بخيري الدنيا والآخرة فنسلكها ونقفوا أثرهم، ولهذا قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم‏)‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 100‏)‏ الآية‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم‏)‏ ‏(‏إبراهيم‏:‏ 45‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏أولم يهدهم لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون‏)‏ ‏(‏السجدة‏:‏ 26‏)‏ وقال تعالى بعد أن قص علينا ما قص في سورة هود‏:‏ ‏(‏ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد‏)‏ ‏(‏هود‏:‏ 100- 102‏)‏ الآيات‏.‏ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم ‏"‏‏.‏ وهو في الصحيح‏.‏ فإذا كان هذا الخطر على من دخل ديارهم فما ظنك بمن عمل مثل عملهم وزيادة‏؟‏ فإنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏

ومن على القبر سراجا أوقدا *** أو ابتنى على الضريح مسجدا

فإنه مجدد جهارا *** لسنن اليهود والنصارى

‏(‏ومن على القبر‏)‏ متعلق بأوقد سراجا مفعول ‏(‏أوقدا‏)‏ بألف الإطلاق، والمعنى ومن أوقد سراجا على القبر ‏(‏أو ابتنى‏)‏ بمعنى بنا وزيدت التاء فيه لمعنى الإتخاذ على الضريح؛ أي على القبر، واشتقاقه من الضرح الذي هو الشق، ‏(‏مسجدا‏)‏ أو اتخذ القبر نفسه مسجدا ولو لم يبن عليه، ‏(‏فإنه‏)‏؛ أي فاعل ذلك ‏(‏مجدد‏)‏ بفعله ذلك ‏(‏جهارا‏)‏ أي تجديدا واضحا مجاهرا به الله ورسوله وأولياءه ‏(‏لسنن‏)‏ أي لطرائق اليهود والنصارى في اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد، ويعكفون عليها وأعياد لهم ينتابونها، ويترددون إليها، كيف وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم للذين طلبوا منه ذات أنواط‏:‏ ‏"‏ الله كبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ ‏(‏اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون‏)‏ لتتبعن سنن من كان قبلكم ‏"‏‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ‏"‏ قلنا‏:‏ يا رسول الله، اليهود والنصارى‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏ فمن ‏"‏‏.‏ أخرجاه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه‏.‏ وقد وقع الأمر والله كما أخبر صلى الله عليه وسلم به، فالله المستعان‏.‏

كم حذر المختار عن ذا ولعن *** فاعله كما روى أهل السنن

بل قد نهى عن ارتفاع القبر *** وأن يزاد فيه فوق الشبر

وكل قبر مشرف فقد أمر *** بأن يسوى هكذا صح الخبر

‏(‏كم‏)‏ خبرية للتكثير ‏(‏حذر المختار‏)‏ نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم ‏(‏عن ذا‏)‏ الفعل من اتخاذ القبور مساجد وأعيادا والبناء عليها وإيقاد السرج عليها كما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية، فذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح- أو الرجل الصالح- بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله ‏"‏‏.‏ وفيه عنها وهي وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم قال‏:‏ لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك‏:‏ ‏"‏ لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا ‏"‏‏.‏

وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ‏"‏‏.‏ وعن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها ‏"‏ رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ‏"‏‏.‏ رواه الجماعة إلا ابن ماجه‏.‏ وعن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول‏:‏ ‏"‏ إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك ‏"‏ رواه مسلم‏.‏

وعن جابر رضي الله عنه قال‏:‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه‏.‏ رواه أحمد ومسلم والثلاثة، وصححه الترمذي، ولفظه‏:‏ نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها، وأن توطأ‏.‏ وفي لفظ النسائي‏:‏ نهى أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج‏.‏ رواه أهل السنن‏.‏ وللترمذي وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور‏.‏ ولابن ماجه مثله من حديث حسان رضي الله عنه‏.‏ ولأحمد بسند جيد عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا‏:‏ ‏"‏ إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد ‏"‏ رواه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبري عيدا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ‏"‏‏.‏ رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواته ثقات‏.‏ وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيدعو فيها، فقال‏:‏ ألا أحدثكم حديثا سمعته عن أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال‏:‏ ‏"‏ لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم ‏"‏‏.‏ رواه في المختارة وقال سعيد بن منصور في سننه‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل بن أبي صالح قال‏:‏ رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة رضي الله عنها يتعشى فقال‏:‏ هلم إلى العشاء‏.‏ فقلت‏:‏ لا أريده‏.‏ فقال‏:‏ ما لي رأيتك عند القبر‏.‏ فقلت سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقال‏:‏ إذا دخلت المسجد فسلم، ثم قال‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم، لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‏.‏ ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء ‏"‏‏.‏ وروى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ‏"‏‏.‏ وفي الباب أحاديث غير ما ذكرنا‏.‏

‏(‏وقد نهى‏)‏ النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏عن ارتفاع القبر‏)‏ بالبناء أو نحوه، كما تقدم من النهي عن تجصيصها والبناء عليها، وكما سيأتي من الأمر بتسويتها ‏(‏وأن يزاد فيه فوق شبر‏)‏ كما في السنن عن جابر رضي الله عنه قال‏:‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبر أو يزال عليه أو يجصص‏.‏

‏(‏وكل قبر مشرف‏)‏ يعني مرتفع ‏(‏فقد أمر‏)‏ النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏بأن يسوى‏)‏ بالأرض أو بما عداه من القبور التي لم تجاوز الشرع في ارتفاعها، ‏(‏هكذا صح الخبر‏)‏، وهو ما رواه مسلم عن ثمامة بن شفي قال‏:‏ كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس، فتوفي صاحب لنا، فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوى ثم قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها‏.‏ ولَه عن أبي الهياج الأسدي قال‏:‏ قال لي علي بن أبي طالب‏:‏ ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ألا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته ‏"‏‏.‏

وحذر الأمة عن إطرائه *** فغرهم إبليس باستجرائه

فخالفوه جهرة وارتكبوا *** ما قد نهى عنه ولم يجتنبوا

‏(‏وحذر‏)‏ النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏الأمة عن إطرائه‏)‏ أي الغلو فيه، كما في الصحيحين عن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله ‏"‏‏.‏ وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ‏"‏‏.‏ وعن أنس رضي الله عنه أن ناسا قالوا‏:‏ يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ يا أيها الناس قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل ‏"‏‏.‏ رواه النسائي بسند جيد‏.‏

وعن عبد الله بن الشخير قال‏:‏ انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا‏:‏ أنت سيدنا‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ السيد الله تعالى ‏"‏ قلنا‏:‏ وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏ قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان ‏"‏‏.‏ وهذا كله من حماية النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد‏.‏ وكما قال لمن قال‏:‏ تعالوا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏ إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله ‏"‏‏.‏ والله سبحانه وتعالى قد بين ما يجب اعتقاده في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأنه هو تصديق خبرهم وامتثال أمرهم واجتناب نهيهم، واتباعهم على شريعتهم ومحبتهم هم وأتباعهم وتوابع ذلك‏.‏ وهذا هو الذي دعوا إليه لم يدع أحد منهم الربوبية ولا دعوا إلى عبادة أنفسهم ولا ينبغي لهم ذلك، كما قال تعالى‏:‏ ‏(‏ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب ووبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون‏)‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 79- 80‏)‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏(‏لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 172‏)‏ الآيات‏.‏ وقال‏:‏ ‏(‏ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام‏)‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 75‏)‏ الآية‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني أسرائيل‏)‏ ‏(‏الزخرف‏:‏ 59‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء وهو على كل شيء قدير‏)‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 17‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين‏)‏ ‏(‏الأنبياء‏:‏ 26- 29‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏عن نوح عليه السلام‏:‏ ‏(‏ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك‏)‏ ‏(‏الأنعام‏:‏ 50‏)‏ وقال لصفوة خلقة وخاتم رسله وسيد ولد آدم أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير‏)‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 188‏)‏ وقال تعالى له‏:‏ ‏(‏ليس لك من الأمر شيء‏)‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 128‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته‏)‏ ‏(‏الجن‏:‏ 20- 23‏)‏ الآيات‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏(‏قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين‏)‏ ‏(‏الأحقاف‏:‏ 9‏)‏ وقال تعالى‏:‏ ‏(‏وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم‏)‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 144‏)‏ الآيات‏.‏ وقد تلاها أبو بكر رضي الله عنه يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم وقال‏:‏ أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات صلى الله عليه وسلم، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، إلى آخر خطبته رضي الله عنه‏.‏ وهذا باب واسع كثيرة النصوص فيه، بل ليست النصوص إلا فيه وفي متعلقاته ومكملاته‏.‏

‏(‏فغرهم‏)‏ أي أكثر الأمة بعدما سمعوا الزواجر والنواهي ‏(‏إبليس‏)‏ لعنه الله وأعاذنا منه ‏(‏باستجرائه‏)‏؛ أي باستهوائه إياهم واستدراجه لهم وإدخالهم في الهلكات شيئا فشيئا كما فعل بالأمم السالفة قوم نوح فمن بعدهم، وأتاهم على ما يهوون، إما بلغو وإما بجفاء لا يبالي ما أهلك العبد به سواء قصره على الصراط المستقيم وهون عليه أمره حتى لا يدخله ولا يسلكه، أو جاوزه به حتى يتبع سبيل الضلال فتفرق بهم عن سبيله، فالذين أبغضوا الرسل من الكفار وعادوهم ونابذوهم بالمحاربة من أول مرة زين لهم ذلك وضرب لهم الأمثلة والمقاييس، وإنهم مثلهم بشر يأكلون ويشربون، وأنهم يريدون أن يصدوهم عما كان يعبد آباؤهم ويتنقصوا شيوخهم بذلك، وتكون لهم الكبرياء في الأرض وغير ذلك‏.‏

والذين صدقوا الرسل واتبعوهم أتى الكثير من خلوفهم وزين لهم الغلو فيهم بالكذب والقول عليهم بالبهتان ورفعهم فوق منزلتهم التي أنزلهم الله عز وجل، وأتاهم بذلك في صورة محبتهم وموالاتهم حتى جعلهم مثله في البعد عن الله ورسله، ولم يسلم من ذلك إلا عباد الله المخلصون الذين هداهم الله صراطه المستقيم، فلم يقصروا عنه ولم يستبدلوا به غيره، بل استمسكوا به واعتصموا‏:‏ ‏(‏ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم‏)‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 101‏)‏ ‏(‏ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 69‏)‏ ‏(‏فخالفوه‏)‏؛ أي الذين استهواهم الشيطان خالفوا النص من الكتاب والسنة جهرة وارتكبوا ما قد نهى عنه من الغلو والإطراء، وما لم يأذن به الله، ولم يجتنبوا ذلك ولا شيئا، فنهى عن الحلف بغير الله عز وجل وهؤلاء لا يحلفون إلا بغيره، وقد يحلفون بالله على الكذب ولا يحلفون بالند فيكذبون‏.‏ ونهى أن تقرن مشيئة العبد بمشيئة الله تعالى، وهؤلاء يثبتون له ذلك على سبيل الاستقلال، ويهتفون باسمه في الغدو والآصال، ويسألون منهم قضاء الحوائج دون ذي الجلال، بل يعتقد فيهم الغلاة منهم أن بعض الأولياء هو المتصرف في الكون والمدبر له في كل حال‏.‏ ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عبادة الله وحده ودعائه وحده لا شريك له، فدعوا مع الله غيره، حتى دعوا الرسول الآتي بذلك نفسه مع الله عز وجل‏.‏ ونهى عن اتخاذ القبور مساجد، وهؤلاء يعكفون عليها ويصلون عليها وإليها، بل ولها من دون الله عز وجل وكثير منهم يفضلون الصلاة فيها على مساجد الله عز وجل التي بنيت لذلك، ونهى أن تجصص القبور أو يبنى عليها وهؤلاء قد ضربوا عليها القباب وزخرفوها وحبسوا عليها العقارات وغيرها وأوقفوها وجعلوا لها النذور والقربات، وكم عبادة إليها دون الله صرفوها، ونهى عن بناء المساجد عليها ولعن من فعل ذلك ودعا عليه بالغضب، وهؤلاء قد بنوا عليها ورأوها من أكبر حسناتهم وما بينهم وبين بنائهم عليها إلا موت أهلها أو حلم يتمثل لهم الشيطان فيه أو خيال أو سماع صوت فيسارعون إلى ذلك أسرع من مسارعة أهل الدين إلى الكتاب والسنة‏.‏

ونهى عن إيقاد السرج عليها وهؤلاء يقفون الوقوف على تسريجها ويجعلون عليها من الشموع والقناديل ما لم يجعلوه في مساجد الله، وكأنما ندبهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بتلك اللعنة التي عنى بها من فعل ذلك وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ‏"‏ الحديث‏.‏ وهؤلاء يضربون أكباد الإبل إلى قبور الصالحين أو من يظنونهم صالحين مسافة الأيام والأسابيع والشهور، ويرون ارتكاب ذلك المنهي من أعظم القربات‏.‏ ونهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذها أعيادا وهؤلاء قد اتخذوها أعيادا ومعابد، لا بل معبودات من دون الله عز وجل، ووقتوا لها المواقيت زمانا ومكانا وصنفوا فيها مناسك حج المشاهد وحجوا إليها أكثر مما يحج إلى بيت الله الحرام، بل رأوها أولى بالحج منه، ورأوا من أخل بشيء من مناسكها أعظم جرما ممن أخل بشيء من مناسك الحج، حتى أن من كان منهم قد حج عشرات مرات أو أكثر يبايع من شهد أحد المشاهد أن يعاوضه بجميع حججه بتلك الزيارة فيمتنع أشد الامتناع، ويخشعون عندها أكثر مما يخشع عند شعائر الله، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ‏"‏ وهؤلاء قد أطروا من هو دونه من أمته بكثير، بل قد أطروا من لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم ساعة من الدهر أعظم من إطراء النصارى ابن مريم، بل جعلوه هو الرب على سبيل الاستقلال‏.‏

وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله ‏"‏‏.‏ هؤلاء قد استغاثوا بغير الله سرا وجهرا وهتفوا باسم غير الله في السراء والضراء والشدة والرخاء، وأخلصوا لهم الدعاء من دون الله عز وجل، وصرفوا إليهم جل العبادات من الصلاة والنذر والنسك والطواف وغير ذلك‏.‏ وقد أنكر صلى الله عليه وسلم على من قال‏:‏ لولا الله وفلان‏.‏ فكيف بمن يقول يا فلان، ما لي سواك‏؟‏ ويقول‏:‏ قد استغثت الله فلم يغثني حتى استغثت فلانا فأغاثني‏.‏ وإنه ليعصي الله في المسجد الحرام ولا يقدر على مخالفة شيء مما ينسبونه إلى وليه من الأكاذيب المختلفة والحكايات الملفقة، وترى أكثر مساجد الله المبنية للصلوات معطلة حسا ومعنى وفيها من الأزبال والكناسات والأوساخ ما لا يعد ولا يحصى، فإذا أتيت قباب المقابر والمساجد المبنية عليها رأيت بها من الزينة والزخارف والأعطار والزبرقة والستور المنقشة المعلمة المرصعة والأبواب المفصصة المحكمة، ولها من السدنة والخدام ما لم تجده في بيت الله الحرام، الداخل إليها والخارج منها من الزوار ما لا تحصيهم الأقلام، وعليها من الأكسية والرايات والأعلام ما لو قسم لاستغنى به كثير من الفقراء والأرامل والأيتام، فما ظنك بالوقوف المحبسة عليها، والأموال المجبية إليها من الثمار والنقود والأنعام، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏ فأي فاقرة على الدين أصعب من هذه الأفعال‏؟‏ وهل جنى الأخابث على الدين أعظم من هذا الضلال‏؟‏ وهل استطاع الأعداء من هدم قواعد الدين ما هدمه هؤلاء الضلال‏؟‏ وهل تلاعب الشيطان بأحد ما تلاعب بهؤلاء الجهال‏؟‏ فأي مناف للتوحيد وأي مناقض له أقبح من هذا الشرك والتنديد‏؟‏ تالله ما قوم نوح ولا عاد ولا ثمود ولا أصحاب الأيكة بأعظم شركا ولا أشد كفرا من هؤلاء الملاحيد، وليس أولئك بأحق منهم بالعذاب الشديد، وليس هؤلاء المشركون خيرا من أولئك ولا براءة لهم من ذلك الوعيد، ولكن الله يمهل ولا يهمل، وما بطشه من الظالمين ببعيد، ‏(‏وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد‏)‏ ‏(‏هود‏:‏ 102‏)‏‏.‏

فانظر إليهم قد غلوا وزادوا *** ورفعوا بناءها وشادوا

بالشيد والآجر والأحجار *** لا سيما في هذه الأعصار

‏(‏فانظر‏)‏ أيها المؤمن ‏(‏إليهم‏)‏ وإلى أعمالهم ‏(‏قد غلوا‏)‏ في أهل القبور الغلو المفرط الذي نهاهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه ‏(‏وزادوا‏)‏ عما حذرهم عنه الرسل، ‏(‏ورفعوا بناءها‏)‏؛ أى بناء القبور المنهي عن مجرده قليله وكثيره، ‏(‏وشادوا‏)‏؛ أي ضربوه بالشيد وهو الجص ‏(‏والآجر‏)‏ اللبن المحروق ‏(‏والأحجار‏)‏ المنقشة المزخرفة ‏(‏لا سيما‏)‏ بزيادة ‏(‏في هذه الأعصار‏)‏ ‏(‏القريبة بعد ظهور دولة العبيديين الذين قال فيهم أهل العلم‏:‏ ظاهرهم الرفض وباطنهم الكفر المحض، فاعتنوا ببناء القباب على القبور وزخرفتها وتشييدها وجعلها مشاهد، وندبوا الناس إلى زيارتها وأتوا بذلك باسم محبة أهل البيت وكل من جاء بعدهم من الدول المبتدعة زاد فيها وأحدث أكثر مما أحدث من قبله حتى اتخذوها مساجد ومعابد، إلى أن عبدت من دون الله، وسألوا منها ما لا يقدر عليه إلا الله، وفعلوا بها ما يفعل أهل الأوثان بأوثانهم، وزادوا كثيرا فضلوا عن سواء السبيل وأضلوا من قدروا على إضلاله جيلا بعد جيل، ولم يبق من الدين عندهم إلا اسمه ولا من الكتاب والسنة لديهم إلا لفظه ورسمه، ولكن الأرض لا تخلوا من مجدد لمعالم الشريعة الحنيفية ومنبه على ما يخل بها أو يناقضها من البدع الشيطانية، ولا تزال طائفة من هذه الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحق ظاهرة لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى، والله سبحانه يقول‏:‏ ‏(‏إنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون‏)‏ ‏(‏الحجر‏:‏ 9‏)‏‏.‏

وللقناديل عليها أوقدوا *** وكم لواء فوقها قد عقدوا

ونصبوا الأعلام والرايات *** وافتتنوا بالأعظم الرفات

بل نحروا في سوحها النحائر *** فعل أولي التسييب والبحائر

والتمسوا الحاجات من موتاهم *** واتخذوا إلههم هواهم

‏(‏وللقناديل‏)‏ من الشموع وغيرها ‏(‏عليها‏)‏؛ أي على القبور وفي قبابها ‏(‏أوقدوا‏)‏ تعرضا للعنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن فعل ذلك إذ يقول‏:‏ ‏"‏ لعن الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ‏"‏ فأوقفوا لتسريجها الوقوف الكثيرة وجعلوا عليها سدنة وخداما معدين لإيقادها، وويل للسادن إن طفئ مصباح قبر الشيخ، ‏(‏وكم لواء فوقها عقدوا‏)‏ تعظيما لها وتألها ورغبة ورهبة، ‏(‏ونصبوا‏)‏ عليها ‏(‏الأعلام والرايات‏)‏ لا سيما يوم عيدها؛ لأنهم قد اتخذوا لكل قبر عيدا؛ أي يوما معتادا يجتمعون فيه من أقاصي البلاد وأدناها كما أن الحج يوم عرفة مخالفة منهم ومشاقة لله ورسوله إذ يقول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تتخذوا قبري عيدا ‏"‏ فقد اتخذوا قبور من هو دونه أعيادا، ومن فاته يوم ذلك العيد المعتاد فقد فاته المشهد وفاته خير كثير، وفي ذلك العيد تنصب الزينة الباهرة وتدق الطبول والأعواد ويجتمع الرجال والنساء في ميدان واحد لابسين زينتهم، قد عطر كل من الجنسين بأطيب ما يجد، ولبس أطيب ما يجد، وتجبى الأموال من الأوقاف والنذور وغيرها على اختلاف أجناسها من نقود وثمار وأنعام وخراجات وغيرها مما علم الله تعالى أنها لا يبتغى بها وجهه ولم تنفق في مرضاته بل في مساخطه، ‏(‏وافتتنوا‏)‏ في دينهم ‏(‏بالأعظم الرفات‏)‏ النخرة فعبدوها من دون الله عز وجل دعاء وتوكلا وخوفا ورجاء ونذرا ونسكا وغير ذلك، ‏(‏بل نحروا في سوحها‏)‏؛ أي في أفنية القبور ‏(‏النحائر‏)‏ من الإبل والبقر والغنم إذا نابهم أمر أو طلبوا حاجة من شفاء مريض أو رد غائب أو نحو ذلك، وأكثرهم يسميها للقبر من حيث تولد ويربيها له إلى أن تصلح للقربة في عرفهم، ولا يجوز عندهم تغييرها ولا تبديلها ولا خصيها ولا وجاؤها لا يذهب شيء من دمها إذ ذلك عندهم نقص فيها وبخس ‏(‏فعل أولي التسييب والبحائر‏)‏؛ أي كفعل مشركي الجاهلية من العرب وغيرهم في تسييبهم السوائب وتبحير البحائر وجعل الحام كما قدمنا عنهم ذلك مبسوطا في موضعه، غير أن أولئك سموهم آلهة وشفعاء وسموا مثل هذا الفعل بهم عبادة، وهؤلاء سموهم سادة وأولياء وسموا دعاءهم إياهم تبركا وتوسلا وكلاهما مشرك في فعله بالله عز وجل، وهؤلاء أعظم شركا وأشد؛ لأنهم يشركون في الرخاء وفي الشدة، بل هم في الشدة أكثر شركا وأشد تعلقا بهم من حالة الرخاء، وأما مشركو الجاهلية الأولى فيشركون في الرخاء ويخلصون لله في الشدة كما أخبرنا الله عنهم بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون‏)‏ ‏(‏العنكبوت‏:‏ 65‏)‏ وغيرها من الآيات‏.‏

‏(‏والتمسوا الحاجات‏)‏ التي لا يقدر عليها إلا الله عز وجل من موتاهم من جلب الخير ودفع الشر ‏(‏واتخذوا إلههم هواهم‏)‏، وهذا هو السبب في عبادة غير الله، بل في جميع معاصي الله، وهو الذي كلما هوى أمرا أتاه، ولم يأتهم الشيطان من غير باب الهوى، ولم يصطد أحدا بغير شبكته؛ لأن الهوى يعمي عن الحق ويضل عن السبيل أتباعه، وهو سبب الشقاوة، كما أن التزام الشريعة باطنا وظاهرا سبب السعادة، فهما ضدان لا يجتمعان ولا يكون الحكم إلا لواحد منهما؛ لأن الشريعة تدل على مرضاة الله وتأمر بها، وتحذر من مساخط الله وتنهى عنها، والهوى بضد ذلك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ حفت الجنة بالمكاره ‏"‏؛ يعني لمخالفة أسبابها من الأعمال الصالحة للهوى‏.‏ ‏"‏ وحفت النار بالشهوات ‏"‏؛ لموافقة أسبابها من المعاصي للهوى‏.‏ فطوبى لمن كان هواه تبعا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وويل لمن قدم هواه على ذلك لقد هلك‏.‏

قد صادهم إبليس في فخاخه *** بل بعضهم قد صار من أفراخه

يدعو إلى عبادة الأوثان *** بالمال والنفس وباللسان

‏(‏قد صادهم‏)‏ من الاصطياد بل من مطاوع اصطاد لأن التاء التي قلبت طاء هي لمعنى الطلب، وأما حذفها فيدل على وصول الطالب إلى مطلوبه، ‏(‏إبليس في فخاخه‏)‏ التي نصبها لهم كما نصبها لمن قبلهم من تزيين المعاصي وتصويرها في صورة الطاعات، فأول ما زين لقوم نوح العكوف على صورة صالحيهم ليتذكروا عبادتهم الله تعالى فيقتفوا أثرهم فيها، ولم يزل بهم حتى عبدوها كما قدمنا‏.‏

وكذلك فعل بسفهاء هذه الأمة أول ما أشار عليهم ببناء القباب على القبور باسم محبة الأولياء ثم بالعكوف عليها وعبادة الله عز وجل عندها تبركا وتيمنا بتلك البقاع التي فضلت بهم، إذ دفنوا فيها ثم بعبادتهم أنفسهم دون الله عز وجل، ثم استرسلوا في تلك العبادة شيئا فشيئا إلى أن أثبتوا للمخلوق صفات الربوبية من التصرف فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فصار الأمر كما ترى في جميع الأقطار وفي كل القرى والأمصار وفي كل زمن تشيع وتزيد وفي كل عصر من الأعصار، ‏(‏بل بعضهم قد صار من أفراخه‏)‏ المساعدين له الداعين إلى ما دعا إليه حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، ‏(‏يدعو إلى عبادة الأوثان‏)‏ من القبور وغيرها ‏(‏بالمال والنفس وباللسان‏)‏، فمن دعايتهم إلى ذلك أنهم يجمعون أنواعا من المطالب ويدخلونها القبر إلى القبة المبنية عليه في سراديب معدة تحتها فإذا أتى إليهم الجاهل المفتون ووقف على الحاجب، فإن لم يكن له مطلوب معين قال له‏:‏ أدخل يدك فما خرج فيها فهو الباب الذي ترزق منه لا تعدوه إلى غيره، فإن خرج في يده تراب فحارث، وإن خرج قطن فحائك، وإن خرج فحم أو نحوه فحداد أو صائغ، وإن خرج آلة حجامة فحجام، وإن خرح كذا وكذا على قواعد هم يعرفونها، ومخرقة لهم يألفونها، وإن كان مطلوب معين قال له‏:‏ ما تريد من الشيخ‏؟‏ قال‏:‏ أريد كذا‏.‏ فإن كان ذلك يوجد فيها أُدخل القبر، وإلا قال‏:‏ ارجع الآن وموعدك الوقت الفلاني فإن الشيخ الآن مشغول أو نحو ذلك من الأعذار، مع ما في قلبه من تعظيم الشيخ، فلا يكرر الطلب أدبا معه فلا يأتي في المرة الثانية إلا وقد استعد له بمطلوبه، فإذا جاء وأدخل يده خرج فيها ذلك المطلوب فحينئذ خرج ينادي‏:‏ شيء لله يا شيخ فلان، وكلما وجد أحدا أراه ذلك وقال‏:‏ هذا من كرامات الشيخ فلان وعطاياه، فيجمعون من أموال الناس بهذه الحيل والشعوذة ما لا يحصى، ولكنهم لم يحتالوا لأخذ أموال الناس فحسب، بل احتالوا لسلب دينهم وأخرجوهم من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر، وليس هذا خاصا بقبور الصالحين الذين عرفوا في الدنيا بالأمانة والديانة، بل أي قبر تمثل فيه الشيطان أو حكيت له حكاية أو رؤيت له رؤيا صدقا كانت أو كذبا، فقد استحق عندهم أن يبني عليه القباب ويعكف عنده وينذر له ويذبح عليه ويستشفي به المرضى ويستنزل به الغيث ويستغاث به في الشدائد ويسأل منه قضاء الحوائج ويخاف ويرجى ويتخذ ندا من دون الله عز وجل وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون والجاحدون والملحدون علوا كبيرا‏.‏

الله أكبر لو رأيت على القبو *** ر عكوفهم صبحا وبالإمساء

والله أكبر لو ترى أعيادهم *** جمع الرجال معا وجمع نساء

والله أكبر لو رأيت مساجدا *** بنيت على الموتى بأي بناء

قد زخرفت بحجارة منقوشة *** بالشيد قد ضربت مع الإعلاء

ورءوسها قد زينت بأهلة *** من أنفس المنقوش دون مراء

قد أسرجت ولكم على تسريجها *** وقفوا الشموع لها بأي أداء

كم سادن قد وكلوه بشأنها *** طيبا وتنظيفا وشأن ضياء

ويل له لو قد أخل ببعض ذا *** ماذا يقاسي من ضروب بلاء

ولكم عليها راية قد نشرت *** ألوانها سلبت لقلب الرائي

وكرائم الأنعام تنحر سوحها *** منذورة يؤتى بها لوفاء

لم يفردوا رب السماء بدعوة *** بل للقبور تجاوبوا بنداء

يدعونهم في كشف كل ملمة *** في الجهر قد هتفوا وفي الإخفاء

ويعظمونهمو بكل عبادة *** يا صاح في السراء والضراء

وتراه بالرحمن يحلف كاذبا *** وصفاته العليا وبالأسماء

لكنه لا يستطيع الحلف بال *** مقبور ذا إن لم يكن ببراء

زادوا على شرك الذين إليهموا *** بعث رسول الله بأصدق الأنباء

إذا يخلصون لدى الكروب وهؤلا *** ء فشركهم في شدة ورخاء

بل في الشدائد شركهم أضعاف ما *** قد أشركوا في حالة السراء

فتراه ينذر في الرخاء ببدنة *** وببدنتين لدى اشتداد بلاء

وجميع ما يأتيه في سرائه *** فله به الأضعاف في الضراء

تالله ما ظفر اللعين بمثلها *** من بعض أهل الشرعة الغراء

حتى إذا ما هيأوا لعدوهم *** سبب الدخول وسلم الإغواء

طمع العدو بهم لنيل مراده *** منهم فغر القوم باستجداء

لما أساءوا الظن بالوحيين ل *** كن أحسنوه بزخرف الأعداء

لم يهتدوا بالنص قط بل اقتفوا *** آراء من قد كان عنها نائي

نبذوا الكتاب فلم يقيموا نصه *** إذ كان ميلهمو إلى الأهواء

وعبادة الأوثان قد صارت لهم *** دينا تعالى الله عن شركاء

وطرائق البدع المضلة صيروا *** سبلا مكان الملة السمحاء

يا رب ثبتنا على دين الهدى *** وعلى سلوك طريقه البيضاء

واردد بتوفيق إليها من نأى *** ممن قد استهوى أولو الأغواء

يا ربنا فاكشف غطاء قلوبنا *** بالنور أخرجنا من الظلماء

واسلك بنا نهج النجاة ونجنا *** من حيرة وضلالة عمياء

واجعل كتابك يا كريم إمامنا *** ورسولك المقدام للحنفاء

وانصر على الأعداء حزبك إنهم *** خبطتهمو فتن من الأعداء

راموا بنا السوأى بسوء مكايد *** فاقصمهمو يا رب للأسواء

واردد إلهي كيدهم في بيدهم *** وأبدهمو بيدا عن البيداء

أظهر على الأديان دينك جهرة *** وشعاره فارفع بدون خفاء

واجعل لوجهك خلصا أعمالنا *** بعبادة وولاية وبراء